روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | الولاء والبراء.. القصد والموازنة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > الولاء والبراء.. القصد والموازنة


  الولاء والبراء.. القصد والموازنة
     عدد مرات المشاهدة: 1634        عدد مرات الإرسال: 0

بسم الله والحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرَف المرسلين، وآله وصحبه ومَن تبِعَه بإحسانٍ إلى يوم الدين. أمَّا بعدُ: اعلَم - أيُّها الأخ والأخت الكريمة - أنَّ علاقة الوَلاء والبَراء - سواء كانت بين المسلمين أنفسهم أم بين المسلمين والكفَّار - صارَتْ في هذه الآوِنة الأخيرة مُهمَلة حتى وقَع بعضُ المسلمين - للأسف الشديد - في مَتاهات عظيمةٍ، وبدع بل كفريَّات، ولا حوْل ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم. إذًا؛ فالواجب على المسلِمين أن يتفقَّهوا في تحقيق الوَلاء والبَراء، وهو على قسمين كالتالي:

1 - علاقة الوَلاء والبَراء بين المؤمنين.

2 - علاقة الوَلاء والبَراء بالنسبة للكفار.

 أمَّا علاقة الوَلاء والبَراء بين المؤمنين فلا بُدَّ أن تكون مبنيَّة بالأخوَّة، والمحبَّة والتودُّد، والتعاطُف والتناصُر، كما أمَرَنا الله بذلك في كتابه العزيز في كثيرٍ من الآيات؛ كقوله - تعالى -: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ﴾ [التوبة: 71]، فجَعَل الله النتيجةَ بعد تَحقِيق هذه المُوالاة كما يُرِيدها الله من المؤمِنين الظَّفَر برحمة الله، كما جَعَل الله النتيجةَ الرحمة بعد تَحقِيق الأخوَّة الإيمانيَّة بين المؤمنين؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10].

ولقد حثَّنا النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالأحاديث المتضافِرة على الأخوَّة الإيمانيَّة، وبالمحبَّة والتودُّد، والتعاطُف والنُّصرة. ففي الصحيحين عن النُّعمان بن بشير - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مثَل المؤمِنين في تَوادِّهم وتَراحُمهم وتعاطُفهم مثَل الجَسَد، إذا اشتَكَى منه عضوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَد بالسَّهَر والحُمَّى))، وفيهما عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((المؤمن للمؤمن كالبُنيَان يشدُّ بعضُه بعضًا، وشبك بين أصابعه))، وفيهما: ((لا يُؤمِن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه)).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المسلم أخو المسلم؛ لا يَظلِمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا - ويُشِير إلى صَدرِه ثلاثَ مرَّات - بحسب امرِئٍ من الشرِّ أنْ يحقِرَ أخاه المسلم، كلُّ المسلِم على المسلم حرامٌ: دمه، وماله، وعرضه))؛ رواه مسلم. واعلم أنَّ الذين يُخالِفون في تَحقِيق المولاة والأخوَّة الإيمانيَّة والرَّحمة أنهم سيُعَذَّبون بالخِلافات والشِّقاقات والصِّراعات فيما بينهم، كما سيجعل الله - سبحانه - بَأسَهم بينهم شديدًا.

والدليل على ذلك قولُه - تعالى -: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود: 118 - 119]، ففي هذه الآية إشارةٌ إلى أنَّ المختَلِفين مُعذَّبين، وقد صرَّح الله بذلك في سورة الأنعام، وفسَّرَه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الآتي: قال أبو النُّعمان: حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر - رضي الله عنه - قال: لَمَّا نزلتْ هذه ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾ [الأنعام: 65] قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أعوذ بوجهك)) قال: ﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ [الأنعام: 65] قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أعوذ بوجهك)) ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [الأنعام: 65] قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هذا أهون))، أو: ((هذا أيسر))؛ رواه البخاري.

واعلَم أنَّ من أعظَم معاني المُوالاة الحقيقيَّة الخالِصَة - التي منها المحبَّة والتواصُل والعلاقة الطيِّبة والنُّصرة - إنما هي محصورةٌ بين المؤمِنين في الدنيا؛ ولذلك قال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10]، كما هي محصورةٌ بين المؤمِنين في الآخِرَة وقد قال - تعالى -: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67].

فتلاحظ أنَّ الله - سبحانه - رَتَّب أمورًا عدَّدَها في الآية الكريمة في سورة الحجرات، وهو قوله - تعالى -:﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10]، إذا عملنا بها ظفرنا برحمته - تبارَك وتعالَى - كما رتَّب بعد هذه الآية أمورًا أخرى كثيرة إذا حذرنا منها وتجنَّبنا عنها ظفرنا بقبول توبَتِنا وغفرانه ورضوانه - سبحانه - وقد قال - تعالى - في خِلال هذه الآيات: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾} [الحجرات: 11].

ومن التوبة ردُّ المظالم إلى أهلها، وطلب المسامحة من المظلوم قبلَ فَوات الأَوَان. وهذه الأمور التي جاءت بالآية الكريمة فهي كالتالي: أولها: تحقيق الأخوَّة بين المؤمنين. وثانيها: الإصلاح بين الإخوان.

ثالثها: تحقيق تقوى الله - سبحانه. رابعها: الظفر برحمة الله بعد تحقيق الأخوَّة الإيمانيَّة. أمَّا التي إذا حذرنا منها وتجنَّبناها ظفرنا بقبول توبتنا وغفرانه ورضوانه فهي كالتالي: أولها: ترْك احتِرام المؤمنين بعضهم لبعضٍ؛ كالتعرُّض لهم بالسخرية والتَّحقِير، وقد يكون الذي سُخِر منه أفضل من الساخر؛ كما في الآية الكريمة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ﴾ [الحجرات: 11]. وثانيها: أنْ يُلقِّبوا بعضهم بعضًا بألقابٍ لا تليق. ثالثها: ترْك إحسان الظنِّ بهم، واتِّهامهم بما هم منهم بريئون.

رابعها: التجسُّس عليهم، ويُلحَق بالتجسُّس إشارة النَّمِيمة؛ لأنَّ هذا هو ما يقصده غالبًا المتجسِّس على الناس. خامسها: الغِيبة، ويُلحَق بها من باب الأَوْلَى الافتراءُ عليهم، وإشاعة الفاحشة عن المسلمين، وترْك سترهم وصيانة عرضهم، وقد نفَّرنا الله عن ذلك الفعل القَبِيح والشنيع، فشبَّهه وكأنَّنا نأكل لحم أخانا الميت؛ وذلك لأنَّ المُغتاب غائبٌ ولا يستطيع الدفاع عن نفسه. سادسها: العنصريَّة الجاهليَّة التي تُفرِّق بين المسلمين، وتُفسِد الأخوَّة بين المؤمنين؛ ولذلك جعَلَنا شعوبًا وقبائل ليتعرَّف بعضُنا على البعض الآخَر، لا للتفاخُر، كما قيَّد الله الكرم بالتقوى فحسب.

واعلَم أنَّ أخوَّة المؤمِنين بعضهم لبعضٍ باقيةٌ إلى يوم القِيامة حتى للعُصاة منهم، كما هي باقية للذين لم يُهاجِروا وبقَوْا في دِيار الكفَّار. فأمَّا بقاء الأخوَّة لعُصاة المؤمنين ولو اقتَتلُوا فيما بينهم، فقد بيَّنه القرآن وأوضَحَه؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾ [الحجرات: 9]، قال البخاري: فسمَّاهم المؤمنين. وهكذا جاء في سورة البقرة قولُه - تعالى -: ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 178]، فجعَل الله الأخوَّة باقيةً بين المؤمنين وإنْ حصل بينهم قتلٌ، فكيف بما هو دون ذلك من الأشياء الحقيرة والتافهة؟!

وأمَّا المؤمنون الذين كانت عليهم هجرةٌ فلم يُهاجِروا، فلهم الأخوَّة أيضًا بسبب إيمانهم، ولو ضَعُفَ إيمانُهم بترْك الهجرة، ولكن ليس لهم ولاية مطلقة كولاية المؤمنين الذين هاجَرُوا في سبيل الله، وإنما لهم النصر والتأييد إنِ استَنصَروا في الدين؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ﴾ [الأنفال: 72].

وهكذا جاءَ في سورة النساء: ﴿ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ [النساء: 92]، فبيَّنت الآية أنَّ انتِماء هذا الشخص للأعداء؛ لكنَّه مع ذلك مؤمن، ولكن لا يعني هذا أنْ يَنصُر الكفار في دينهم لا اعتقادًا ولا قولاً ولا عملاً، كما لا بُدَّ له أيضًا أنْ يكون قادِرًا على إظهار شعائر دينه، وأنْ يكون حُرًّا طَلِيقًا فيهم. ولرِعاية وجوب الأخوَّة بين المؤمنين لا بُدَّ من العمل بالعناصر الآتية:

1 - أنْ يُعظِّم المؤمن دمَ أخيه المؤمن؛ فلا يقتله ظلمًا وعُدوانًا.
2 - أنْ يُعظِّم المؤمنُ مالَ أخيه المؤمِن؛ فلا يتعرَّض له بالنَّهب ولا بالسَّرقة، ولا بالظُّلم والغشِّ والخيانة.
3 - أنْ يَصُون عِرضَ أخيه؛ فلا يقذفه بفاحشةٍ ولا مُنكَر من القول وزور.
4 - أنْ يَستُر له عيوبه، ويَصُون عِرضَه؛ فلا يغتابه ولا يَسبُّه، ولا يحتقره ولا يسخَر منه لأجل قبيلته أو لجنسيته وأصله، كما يجب عليه أنْ يُحسِن الظنَّ به فلا يتجسَّس عليه، وقد نهانا الله عن ذلك كلِّه في سورة الحجرات - كما أشرنا - وكذلك يجب عليه ألاَّ يُشِيع عنه فاحشة، كما لا يحبُّ أنْ يفعل به أحدٌ مثلَ ذلك.
5 - ألاَّ يحكم عليه بالكفر مستبيحًا بذلك دمه وعرضه وماله بدون حقٍّ.
6 - أنْ يَتعاوَن معه على البرِّ والتَّقوى.
7 - أنْ يتولَّى بعضهم بعضًا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وفي طاعة الله ورسوله.

كما قال - تعالى -: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ﴾ [التوبة: 71]، وقال - تعالى -:﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103].

واعلَم أنَّ ولاية المؤمن الصالِح لأخيه المؤمن الصالح ليست كولاية المؤمن الصالح لأخيه المؤمن العاصي والفاسق، بل لا يمكن أنْ تكون العلاقة بينهما قويَّة ووطيدة حتى يُراجِع المؤمن الفاسق نفسَه ويتوب إلى الله ممَّا اقتَرَف من المعاصي والآثام؛ ولذلك ورد عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ آل بني فلان ليسوا لي بأولياء)). وورد: ((لا تُصاحِب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقيٌّ))؛ أي: إنَّ هؤلاء ليس لهم ولاية المحبَّة، أمَّا ولاية النُّصرة في الدين فهم يستحقُّونها ما داموا مؤمنين، كما أشرنا ذلك آنِفًا.

ولذلك؛ لا بُدَّ أنْ يُعامِل المؤمن الصالح الداعيةُ المؤمنَ العاصي الفاسق بالبراءة والبعد عن مخالطته، لا سيَّما إذا كابَر الأخيرُ عند النصيحة، وقلَّ الرجاءُ في إصلاحه، واستَعصَى أمره واستَفحَل. ولقد كانت طبيعة عُلَماء بني إسرائيل إذا رأوا عاصِيًا أن ينصحوه ويقولوا له: يا هذا، اتَّقِ الله فإنَّ هذا حرام، ثم لم يمنعهم ذلك أنْ يُؤاكِلوهم ويُجالِسوهم؛ ولذلك لعَنَهم الله على لسان داود وعيسى ابن مريم، فكيف بالله عليكم بِمَن لا ينصحهم ويُجامِلهم وكأنهم على الحق؟! قال - تعالى -: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾} [المائدة: 78، 79].

إذًا؛ فالواجب عليك - أيُّها الداعية - أن تَدعُو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، كما عليك أن تُوازِن بين الأمور بعد النصيحة والدعوة إلى الله، فإنْ كانت الغلظة والهجرة - مثلاً - تَنفَع مع المدعوِّ وتؤثِّر فيه، فاعمَل بها، أمَّا إنْ كانتْ لا تَزِيده إلا بُعدًا وعُتوًّا ونُفُورًا، فتَرَفَّق به، واستَعِن بالله في أمرك كلِّه، والدُّعاء له بظهْر الغيب؛ فإن الأمور كلها بيد الله، ولقد أرسل الله موسى إلى مَن ادَّعى الألوهيَّة وهو فرعون، وأمَرَه أنْ يقول له قولاً ليِّنًا لعلَّه يتذكَّر أو يخشى، وقد عَلِم الله بعِلمِه الأزلي أنَّ فرعون لن يُسلِم، ولكنَّ الله أراد أن يُعلِّمنا ما يلي:

أ - ألاَّ نَقنُط من الناس ولو أسرفوا في العصيان لله العظيم. ب - أنْ نترفَّق بهم وندْعوهم باللِّين وبالأسلوب الحسن الجيِّد، وقد بيَّن الله اللينَ الذي أمَر الله موسى - عليه السلام - أنْ يُخاطِب به فرعون في سورة النازعات؛ فقال - تعالى -: ﴿ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ [النازعات: 18 - 19]. إذًا؛ فالواجب علينا أن ندعو أئمَّة الكفر والطواغيت إلى دين الله، والقبول من عند الله، كما علينا ألاَّ نيئس من رحمة الله، مُتوكِّلين على الله كما كان كذلك هدي الأنبياء - عليهم السلام أجمعين.

وقد جعل الله أفضلَ الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطان جائر؛ كما جاء في الحديث: ((أفضل الجِهاد كلمة حقٍّ عند سلطان جائر)). والله هو الهادي إلى سواء السبيل.
 
اسم الكاتب: عبدالفتاح آدم المقدشي
 
مصدر المقال: موقع الألوكة